!!!
سارة محمد شحاتة
في أحد مشاهد فيلم "فوزية البرجوازية" نشبت مشادة كلامية بين البطل
"صلاح السعدني" القاص المثقف وبين أحد المثقفين الآخرين المخالف له في
الاتجاهات الفكرية حيث يعارضه في ماهية جدوى القصص والكتابة من الأساس
طالما أن من سيقرأها هم خمسة أو ستة من المثقفين، وبعدها تنتهي القصة على
رفوف المكتبات دون أن يستفيد منها أحد؛ لأننا في بلد نامٍ يتجه فيه كل
تفكير المرء إلى سد جوعه، وانتهى الموقف بأن قام كل مثقف يسب الآخر وكادا
يفتكان ببعضهما البعض!
خبر طالعنا قريباً عن قيام المركز الثقافي البريطاني بالقاهرة بإغلاق
مكتبته حيث لا يتردد عليها أحد وأعلن أن سبب إغلاقها هو أن الشعب المصري
شعب لا يقرأ!
ودراسة سابقة أعلنت في سلسلة الفضائح هذه أن إحصائية أجريت لمعرفة عدد
الكتب التي يقرأها المصريون سنوياً فكانت النتيجة أن المصري يقرأ ما يعادل
ربع أو نصف كتاب في العام الكامل!! ونكتفي بهذه السلسلة من الأخبار
المخزية.
كما ترى مازال المصري يعاني بشدة من انعدام ثقافة القراءة لديه مع
زيادة مطردة في ثقافة الاستماع والمشاهدة فقط، والبعض لا يصبر حتى على
قراءة الجريدة اليومية؛ إذ يكتفي الأغلبية بقراءة العناوين الرئيسية، ولو
حاولت معرفة أسباب هذه الظاهرة لوجدت أن أولها يكمن في المشكلة الاقتصادية
المزمنة التي يحياها الشعب المصري حيث تعتبر القراءة وشراء الكتب رفاهية
بالنسبة لكثيرين لا يجوز حتى التفكير فيها قبل توفير قوت الأبناء.
وسبب آخر هو السطحية الشديدة التي طفت على العقول حيث يحصل من يحمل
كتاباً أو يقرأ أثناء انتظاره في المواصلات على قدر من السخرية يكفيه
ويزيد! وزادها سوءاً ثقافة الاستسهال وانعدام المثابرة في النفوس فلا تجد
من يصبر على قراءة بضعة سطور فضلاً عن كتاب كامل، الكل صار يرغب في تناول
المعلومة جاهزة دون الحاجة للبحث عنها في كتب ودون الرغبة في إثراء نفسه
بأي ثقافة من أي نوع.
ورغم ذلك فإن عدد دور النشر الجديدة في ازدياد مستمر وتجد أعداد الكتب
خاصة الكتب الشبابية في ازدياد حتى ليعيد لذهنك المشهد السابق من الفيلم
حيث إن الأمر تحول لمجموعة من الكتاب والمثقفين يقرأون كتب بعضهم البعض في
تبادل لها دون أن تخرج هذه الكتب من هذه الدائرة إلى العامة والجمهور من
غير الكُتاب؛ فالهدف الأول من الكتابة هو أن تضيف معلومة أو تعم منها
فائدة على الجميع وتنير بها عقولا بعيدة عن عالم الثقافة وليس أن تكون
مقتصرة على قشدة المجتمع.. وهكذا لا يظل فقط "الحاج علي" أو الأسطى "خليل"
بل وحتى طلبة الجامعة أيضاً بمنأى عن كل ما يمت للثقافة والقراءة بِصِلة
وتزداد معدلات الجهل يومياً حتى لنسمع عن مهازل عن طلبة الإعدادي الذين
يجهلون كتابة أسمائهم بلغتهم الأم بعد كل هذه السنوات من التعليم!
ولتتأكد من ذلك تأمل معرض الكتاب السنوي حيث تجد معظم رواده يعتبرونه
نزهة مَرِحة للجلوس في الحدائق وأكل المحشي والكشري ولا تسأل عن دور
الكتاب في وسط كل هذا؛ لأنهم سيمطرونك بالتعليقات الساخرة! كل هذا يحدث في
بلد تصر على أن يكون لها وزارة خاصة للثقافة منوطة بتثقيف الشعب بالطبع!
لذلك لا معنى للسؤال عن سبب تراجع الوعي العام لدينا، ولا لماذا صار
يحيط بنا كل هذا الكم من السطحية والتفاهة وانعدام الرغبة في المعرفة أو
حتى بذل الجهد للتقدم.. كل هذا الانحدار منبعه واحد وهو أننا أهملنا
القراءة والتعلم فأهملنا التقدم والوعي.. ولمحاولة ترميم كل هذه الشقوق
والأخاديد يبقى نسف منظومة التعليم التي حولت الطلبة إلى مشاريع عظيمة من
الخواء العقلي بكل هذا الكم من المناهج الجوفاء وسياسة التلقين لتجعل
الطلبة يحصلون على أعلى المجاميع ولو سألتهم أي سؤال خارج المنهج ولو حتى
معلومات عامة بسيطة يصيبهم الاندهاش والارتباك والصمت التام!
نحتاج لإعادة تشكيل ثقافتنا حتى نغرس في الأجيال الصاعدة أهمية القراءة
وما تضيفه للنفس من ثراء في كل الاتجاهات.. ولكن لتحقيق ذلك نعود للدائرة
المفرغة.. فيجب أولا سد احتياجات المرء الأساسية من مأكل وملبس حتى نمكّنه
من رفع رأسه للأعلى بعد أن انحنى ظهره طويلاً، فيدرك أن هناك أشياء أخرى
تنقصه.. ولكي يدرك أن هناك أشياء تنقصه من وعي للواقع المتغير وتنمية
لذاته ولعقله لابد أن يحظى بتغيير في ثقافته وتكثيف لإدراكه.. ولكي يتحصل
على تلك الثقافة لابد من حل مشكلته الاقتصادية! فهكذا نظل ندور في نفس
المتاهة بينما تستمر وزارة الثقافة في دورها الجليل في "تثقيف" الشعب!