كأس العالم سيحل في روسيا- واحدة من الدول ذات أقدم و أعمق العادات الكروية- للمرة الأولى. روسيا كانت دائماً كالكتاب المغلق بالنسبة لمن هم خارجها، ربما هذه البطولة ستساعدها على الانتفاح على العالم. يوجد دوماً احساس أن روسيا عالقة بين العالم القديم و الحرب الباردة من جهة والعالم الجديد من جهة أخرى. و الواقع يقول أن هذه المتلازمة التاريخية هي التحدي الذي يواجهه العالم "افترضياً" الان.لكن مع تزايد أهمية العلاقات الدولية و التعاون اكثر من ذي قبل فكرة القدم و مشاعرها قد تكون الحافز حتى نرحب بروسيا الجديدة في العالم الجديد.
في مجال كرة القدم أيضاً، هناك الكثير لننتظره، جميعنا يذكر اللاعبين الكبار ك "ليف ياشين" من أيام الاتحاد السوفييتي، لكن اليوم سننتظر مشاهدة جيل من اللاعبين الروسيين الشبان يدافعون عن قميص بلادهم. الكابتن الحالي "أندري أرشافين" الذي سيكون قد بلغ السابعة و الثلاثين في وقت استضافة روسيا لكأس العالم، وضح بنظرة عميقة جداً "روسيا حالياً في عملية تكوين دولة جديدة، إنه مستقبل جديد و أجيال جديدة". هذا صحيح سواءً داخل الملعب أو خارجه، و هذا ينطبق أيضاً على على روسيا و دول غيرها، كرة القدم هي من تحدد مستقبلها طريق توسيع دورها من أكبر شكل للترفيه في العالم الى عمل يمثل القيم، و يشجع الالتزام الاجتماعي، و يكوّن نماذج اقتصادية فعالة و طويلة المدى.
من وجهة النظر هذه، قطر أيضاً خيار ذو بعد استراتيجي و عميق. و يعتبر أفضل ما يمكن أن تقدمه هذه الرياضة من قرارات.
من الضروري أن تنجح كرة القدم في اسيا فهي أكبر سوق في العالم، و بامكانها مساعدة كرة القدم لتتجاوز نقاط ضعفها الاقتصادية في هذه المنطقة من العالم. بالاضافة لذلك كرة القدم يجب أن تنجح في اسيا لتساعد العالم على تجاوز الاختلافات الثقافية. اذا اتحدنا عن طريق الرياضة فمن يعرف ما الحدود و ما الاختلافات التي سنتجاوزها أيضاً؟ لذلك اقامة كأس العالم في الشرق الأوسط هو اهم مظهر للتقارب السياسي يمكن لكرة القدم أن تقدمه.
هذه الرياضة تزيل الحواجز و تعزز التعاون، و كما شهدنا في مرات عديدة في الماضي، بامكانها ان تكون بداية لحوار مشترك نحو السلام.
في هذه المنطقة من العالم التي لطالما اتسمت بالحساسية، ليس من المبالغة أن نقول أن كرة القدم يمكن أن تكون الخطوة الأولى، مهما تكن صغيرة من أجل السلام في العالم.
ليس هذا فقط، فقطر تعتبر مكان اختبار مثالي لعملية تطور كرة القدم في المستقبل.و لديها شغف لهذه الرياضة قلة من الدول تملكه. هي ربما دولة صغيرة المساحة لكنها تقع في مركز متميز كونها تبعد قرابة الساعة بالطائرة عن جميع دول الشرق الأوسط.و يوماً بعد يوم تتحول لمعبر سفر رئيسي في العالم.
معروف أن الظروف المناخية في الصيف لاترحم، لكن قوة الارادة و الاستعانة بالتكنولوجيا سيندمجان حتى يتجاوزا مشاكل الحرارة، و بالتأكيد ذلك سياسهم في تطوير كرة القدم في الظرف المناخية القاسية الاخرى.
روسيا في هذا الوقت لديها نواحي عدة لتغطيها و عمل اكثر لتقوم به قبل البطولة. لكنه جزء من جمالية كأس العالم أن الدول قادرة على القيام بما هو غير متوقع، هذا بشكل أو باخر يمثل تجاوزاً للمستحيل. وعن طريق تقديم البطولة في بلادٍ جديدة، وتعريفها لجميع الشعوب نكون متأكدين أن كرة القدم أصبحت فعلاً للجميع.
البعض قد يسأل لماذا روسيا و قطر، كلاهما لم يتأهل لكأس العالم الأخيرة، هم الان ربحوا فرصة المشاركة في بطولة كبيرة من دون المشاركة في جولات التصفية. لكن بالنظر لمنح تنظيم كأس العالم الاخيرة لجنوب افريقيا التي كان فريقها يعاني على أرض الملعب قبل كأس العالم و غادر البطولة من الباب الضيق، يجعل هذا السؤال غريباً.
الأمثلة على المفاجئات كثيرة في هذه الرياضة بشكل عام، بطولة اليونان الأوروبية مازالت في الذاكرة. و من كان ليتوقع أن الأوروغواي لديها ما يلزم للوصول الى نصف نهائي كأس العالم في ال 2010؟ بلغاريا 1994؟ فوز العراق بكأس اسيا 1997؟ عامل المفاجأة هو ما يضفي الاثارة على كرة القدم. جانب وحيد فقط من هذه البطولة لا نستمتع ان حدثت فيه مفاجئات، و هو كيفية تسيير البطولة نفسها. و هنا لا داعي للقلق. روسيا و قطر ستجعلنا جميعاً فخورين باستضافة كأسي العالم الذين نعلم أنه قادرون على انجاحه.