أعينوني بقوة!
ابراهيم عيسى
ابراهيم عيسى
تقول بعض كتب التفسير إن الإسكندر الأكبر
موجود في القرآن الكريم!
الإسكندر
الفاتح العظيم والقائد المقدوني الذي سيطر وحكم العالم تقريبا، وأنشأ لنا
الإسكندرية موجود في سورة الكهف، حيث إنه وفقا لاعتقاد مفسرين كثر هو ذو
القرنين!
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو
عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) ويستغرب ابن كثير الرواية التي تقول إنَّ
الْيَهُود جَاءُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيّ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ كَانَ شَابًّا مِنْ الرُّوم وَأَنَّهُ بَنَي
الْإِسْكَنْدَرِيَّة حيث يعتقد أن هذه الرواية محض إسرائيليات وأن
الْإِسْكَنْدَر الْمَقْدُونِيّ ليس ذي القرنين، بل هو إسكندر آخر عاش في
أيام سيدنا إبراهيم وطَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ الْخَلِيل وَكَانَ وَزِيره
الخضر، ويقول ابن الأثير، نقلا عن آخرين إن الإسكندر ذا القرنين أطلق عليه
هذا اللقب لِأَنَّ جانبي رَأْسه كَانَا مِنْ نُحَاس أو لأنه مَلَكَ الرُّوم
وَفَارِس وَقَالَ بَعْضهمْ كَانَ فِي رَأْسه شِبْه الْقَرْنَيْنِ.
وأما
تفسير «وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا» فهو أن الإسكندر كان يتحدث
بكل الألْسِنَة ولا يَغْزُو قَوْمًا إِلَّا كَلَّمَهُمْ بِلِسَانِهِمْ،
وتمتلئ كتب التفسير لرحلة ذي القرنين أو الإسكندر بروايات لا تدخل العقل
ولا تحمل دليلا واحدا علي تصديقها، وهي كلها لا تمثل أكثر من كونها قصصًا
شعبية إذا تم وزنها بالعقل وبالتاريخ، لكن القرآن يخبرنا بعناوين رئيسية
لرحلة الإسكندر دون أن نتمكن من اليقين بتفاصيل هذه العناوين فلما يقول
القرآن (حَتَّي إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَي
قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) واضح أن الإسكندر لا
يمشي وحده، بل يمضي بجيشه وهذه هي الأماكن التي يفتحها بالغزو والنصر،
وفيها الشعب المتخلف الذي لا يعرف بناء البيوت (الستر) فيعلمهم الإسكندر
ويدخلهم الحضارة نقلا مباشرا من الفطرة والبدائية. (حَتَّي إِذَا بَلَغَ
بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلا ) القول هنا في تصوري بمعني العلم، ومن ثم فهم لا
يعلمون ولا يفهمون في العلوم، الأمر الذي جعلهم لا يستطيعون مواجهة يأجوج
ومأجوج (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَي أَنْ
تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سدًّا) أظن مفهوما هنا أنهم يعرفون الكلام
بدليل أنهم تفاهموا مع ذي القرنين، لكن ما يهمنا هنا هو بنود العقد بين
الإسكندر وهؤلاء القوم، أن يصنع لهم سدًا مقابل أن يدفعوا له أجرًا (خرجًا)
سواء ضرائب أم رسومًا أم ثمنا مباشرا، لكنه يرد علي بنود العقد بالآتي:
(ِقَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ
أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) الموضوع مش موضوع فلوس، فما
مكنني فيه ربي ملكا وحكما خير وأعظم وَلَكِنْ سَاعِدُونِي بِقُوَّةٍ أَيْ
بِعَمَلِكُمْ، يعني مش تتفرجوا عليَّ أنا وجيشي ولاَّ تقعدوا حاطين إيديكم
علي خدكم وألا تكتفوا بدفع فلوس، لا.. اتفضلوا أعينوني وشاركوا بأنفسكم في
الدفاع عن بلادكم، وأيضا أعينوني بقوة وليس بتراخ واسترخاء، فأنتم أصحاب
الأرض الأصليون الأجدر بالمقاومة، وبني الإسكندر سدا لا يستطيع يأجوج
ومأجوج الصعود فوقه وتجاوزه ولايقدرون علي فتحه أو نقبه. وتحتشد كتب
التفسير بروايات عن يأجوج ومأجوج يشيب لهولها المنطق وتبدو ملونة بالخرافات
المطلقة، لكن المؤكد أنهم موجودون حسبما أعلمنا القرآن وأنهم مفسدون في
الأرض، ثم المؤكد كذلك أن مواجهتهم - كما تعلمنا من آيات القرآن وقصة ذي
القرنين - تأتي بالعلم (كيفية صناعة بناء أو سد لا يمكن نقبه) هذه أولي
مفردات النصر، ثم التعاون والمشاركة بين كل الأطراف لمواجهة تحدي العدو، ثم
ثالثا بقوة أن يجتمع العلم مع الجماعية، والوحدة مع قوة الإخلاص والإرادة،
هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه، خصوصا أن يأجوج ومأجوج ليسوا بعيدين
تماما، ففي حَدِيث يرويه الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عن ثلاث زوجات للنبي عَنْ
زَيْنَب بِنْت جَحْش زَوْج النَّبِيّ - صَلَّي اللَّه عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ - قَالَتْ: اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ مِنْ نَوْمه وَهُوَ مُحْمَرّ
وَجْهه وَهُوَ يَقُول «لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ
قَدْ اِقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل
هَذَا» وَحَلَّقَ (فتح بيده حلقة ) قُلْت: يَا رَسُول اللَّه أَنَهْلِكُ
وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ».
انفتح
ثقب سور يأجوج ومأجوج منذ أيام النبي ولعل 1431عامًا من كثرة الخبث تسمح
بأن يسقط إثرها السور ونجد أنفسنا أمام يأجوج ومأجوج،
ولكن المشكلة أننا لا
نعرف ملامح ولا شكل ولا سمات يأجوج ومأجوج مما يسمح لي بالاعتقاد أنهم
جاءوا فعلا وظهروا وسيطروا وحكموا وتسيدوا من عشرات السنين وربما يحملون
جوازات سفر أو بطاقات رقم قومي!!